كنت ادعو الله ان ينجينا مما نحن فيه ، فمنذ اقلعت انا وزميلي كنا في يدي الله تصويبنا بقدرته ، وحياتنا بمشيئته ، ونجاتنا بقدرته .
وفجأه تتخلص الطائرات الاسرائيليه من الاشتباك ، وتخلصنا نحن من الاشتباك ايضا ، وبدأنا نتجه غربا للعوده الي فوق الاراضي المصريه ، فالاشتباك كله دار فوق مياه خليج السويس .
ويظهر صوت قائد السرب49 المقدم تميم مخبرنا في اللاسلكي بتعليمات صارمه
تميم (( كل التشكيلات ترجع للقاعده)) ويكرر الامر
ويرد كل قاده التشكيلات الطائرة بالعلم فيستطرد المقدم تميم
تميم (( جاجوار ليدر ارجع للقاعده ))
جاجوار ليدر (( وجهني علي بير عريضه انا علي حافه الخليج )) رغم ان وقودي لا يكفي الا لاقل من دقيقه لكني رغبت ان اقترب من اتجاه اي مطار مصري بقدر الامكان
ويخبرني حسن بعوده الطائرات الاسرائيلي خلفنا مره اخري ، ويقول لي ان ما لديه من وقود هو 200 لتر فقط اي ما يسمح بالطيران لمده دقيقه واحده فقط ، فأشير اليه بالاشتباك مع طائرات العدو التي تفاجئ بنا نعود للاشتباك مرة اخري رغم وضعنا ، فلا وقود لدينا ولا سلاح ، فماذا نكون سوي مجانين تسعي الي الموت سعيا ،
جاجوار ليدر (( ورايا طائرات معاديه ))
صفوان 2 (( دي طياراتنا احنا ))
جاجوار ليدر (( بقولك ورايا طائرات معاديه ))
صفوان 2 (( كل الطيارات ترجع بير عريضه ))
صفوان 2 بصوت حاسم (( اللي معاه طيارات معاديه يشتبك علي طول ))
كنا نحاول ان نصطدم بطائرات العدو لتدميرها ، وعندما أيقن اليهود انهم امام طيارين من نوع اخر غير معهود لديهم ، تخصلوا من الاشتباك مرة اخري وهو ما يعتبر في عرف الطيران هزيمه لهم
وانسحبوا .
وبدأنا نتجه تجاه الساحل وانا معي 100 لتر فقط من الوقود باحثا عن مكان يصلح للهبوط السريع ، واذا بي افاجأ بمدفعيات مضاده للطائرات تنطلق نحونا من احد الوحدات الارضيه (اللواء الاول ميكانيكي )
صفوان 2 (( كل الطيارات تنزل بير عريضه ))
جاجوار ليدر (( معايا 100 لتر يا جدعان ))
تميم صائحا في صفوان (( بيقولك وجهني علي بير عريضه ))
ليدر 1 (( في طيارةهيلكوبتر بتلمع علي ارتفاع منخفض جدا الساعه 1 عندي ))
وكانت تلك طائرة هيلكوبتر اسرائيلي تطوف الخليج بحثا عن ناجيين من الفانتوم المحطمه
ويتدخل صفاء الدين في الحوار معلنا بهدوء وضعه من الوقود ومكانه
جاجوار 3 (( معايا 1600 لتر وانا فوق مطار بني سويف ))
تميم (( فيه 12 طيارة في الجو دلوقت ))
ونظرا لسوء موقفنا فلم يكن لتلك المضادات الارضيه اي فارق علي حالنا ، مجرد انهم صعبوا علينا الامر اكثر ، فقمت بالاتصال بقاعدتي وابلغتهم بانني ساهبط علي الطريق واخبرتهم بمكاننا لارسال طائرة هيلكوبتر لالتقاطنا .
وبعد ان قمت بالدوران للهبوط وجدت تشكيل يقوده زميلي سيد رزق أسمه بلاك ليدر يقترب مني ويخبرني انه سيقوم بحمايتي حتي اهبط ليحدد مكاننا بدقه للانقاذ القادم لنا
تميم (( اللي عايز ينزل علي الطريق ينزل ))
وأخبرت حسن ان يكون اعلي مني لكي اختار مكانا اهبط عليه اولا لكي اختبرة فأن مت يختار هو مكانا اخرا يهبط فيه ، وبدأت الهبوط علي الطريق الذي يحدوه الجبال من الطرفين بينما ساحل البحر خلفه كأصعب ما يكون الهبوط ، وفجأه يتوقف محرك الطائرة ، وكانت تعليمات الخبراء في كتيب الصيانه ان الطيار يقفز فور توقف المحرك لان جميع اجزاء الطائرة تعمل بالهيدروليك وتتوقف تماما عن العمل فور توقف المحرك، مما يعني انعدام التحكم بالطائرة
وتم الاستعانه الكامله بالله واخذ القرار بالهبوط لانني كنت اريد ان يكون انتصارا كلاملا حتي النهايه ، فلا يجب ان يفوز الاسرائيليين بأي شئ في هذا الاشتباك ولو حتي تدمير طائرة لنا لان وقودها قد انتهي .
ولمست عجلات الطائرة ارض الطريق بعد متر او اثنين متر من حافه الطريق لتندفع الطائرة علي سرعتها لافاجئ بعربه مقطورة امامي يقفز ركابها منها فزعا ويتركونها امامي علي الطريق
فرفعت مجموعه العجلات الخلفيه فورا ليبدأ باطن الطائرة في الاحتكاك بالارض وتتوقف الطائرة فورا وسط الرمال علي جانب الطريق.
اما حسن لطفي فقد خانه تقدير بدايه الطريق ، وعندما بدأ الاقتراب النهائي للهبوط ، لمست عجلاته الخلفيه
حافه الطريق البارزة ما بين الاسفلت وبين شاطئ الخليج ، لتنقلب طائرته وتنفجر ويستشهد حسن لطفي بعد ان ادي واجبه كاملا ، ويزف الي الجنه في اجمل واطهر ما يكون اللقاء .
هبطت من الطائرة ساجدا لله لتنهار قواي وانا ساجد ويغمي علي ، لتبدأ الاصوات تعود الي ببطء علي صوت طائرة هيلكوبتر اسرائيلي تقترب مني محاوله ان تأسرني ، نفس الطائرة التي ابلغ عنها ليدر 1 ، لكن المضادات المصريه طردتها بسرعه ، وايقن رجال اللواء المصري ان الطائرة الاسرائيليه تبحث عن طيار اسرائيلي كعادتهم دوما، فتوجهوا نحوي واسروني اوسعوني ضربا وانا مغمي علي ولا اقوي علي الكلام وسببوا لي كدمات في العمود الفقري .
فقد كان رجال هذا اللواء المعزول علي ساحل الخليج عرضه لالاعيب العدو الشيطانيه ، فكانت طائرات الهليكوبتر المعاديه تطير فوقهم ليلا وتلقي معلبات الاكل والعصائر ، فيظن الجنود انها هليكوبتر مصري خاصه وان الجو ليلا والرؤيه صعبه ومن في الطائرة يتحدث العربيه .
وفور تجمع الجنود حول امدادات الغذاء يتم القاء براميل نابالم عليهم وحصد ارواحهم حرقا، فكان حقد جنود هذه الوحده المعزوله علي الاسرائيليين وخاصه الطيران الاسرائيلي عظيما ، وعندما وجدوني لم ينتظروا اي يتعرفوا علي .
وصلت طائرة هيلكوبتر مصري لالتقاطي وبها عدد من الفنيين للاطمئنان علي طائرتي يقودها الطيار عمر لطفي والذي كان في دهشه مما يراه ، فلاول مرة يشاهد طيار مصري طائرة مقاتله تهبط علي طريق وتظل سليمه خاصه طريق بهذا السوء ملئ بالحفر ، فما كان منه الا انه اكتفي بترديد سبحان الله وهو مندهش.
وعدت الي مطار بني سويف ، وتم وضع شباك تمويه علي الطائرة لحمايتها واخفاءها
في ذلك الوقت كان اللواء طيار حسني مبارك في زيارة الي ليبيا فاعطي تعليمات بان تظل تلك الطائرة علي الطريق حتي الصباح التالي حيث ان الطريق يؤدي الي الكريمات ثم حلوان حيث ورشه اصلاح الطائرات والتي بدورها ارسلت سيارة نقل وجرار قطر طائرات لشحن الطائرة .
المفاجأه ان طائرة هيلكوبتر اسرائيلي هبطت ليلا لقطع الطريق علي سياره النقل التي من المفترض انها تجر الطائرة لكن قرار اللواء مبارك بتاجيل نقل الطائرة ادي الي تفادي الوقوع في هذا الكمين بعنايه الهايه عجيبه ، وفي الصباح التالي عثرت دوريه من حرس الحدود علي اثار تلك الطائره وبقايا معلبات اسرائيلي بجوارها .
عدت الي قاعدتي لاجد اللواء نبيه المسيري اركان حرب القوات الجويه منتظرني في المطار لكن الفنيين والجنود والطيارين زملائي الذين علموا بتلك المعركه حملوني علي الاعناق والهتاف بحياه مصر لانال اعلي تقدير معنوي اناله في حياتي من احد .
وتمت مناقشه نتائج المعركه مع اللواء المسيري فورا بعد ان تلقيت منه التهانئ ، وتلي ذلك تكريم من اللواء حسني مبارك ثم من المشير احمد اسماعيل ثم من الرئيس السادات نفسه حيث اخبرته انه لو عاد بي الزمن لقمت بنفس العمل لان كل شئ يهون في سبيل مصر وكرامه مصر
وبسبب هذا الاشتباك نلت وسام الشجاعه ووسام النجمه العسكريه ، وحاليا ترقد طائرتي التي شاركت في هذه المعركه ببانوراما حرب اكتوبر وارقامها 8040 .