مدير المنتدى صاحب الموقع
عدد المساهمات : 1507 نقاط : 4356 السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 25/07/2010 العمر : 33 الموقع : https://almo7asb.yoo7.com
| موضوع: أسماء بنت أبي بكر الصديق الثلاثاء يونيو 07, 2022 4:08 pm | |
| الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كلَّ شيء فقدَّره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، الذي بعثه ربُّه هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا. * أما بعد، فإنَّ أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها من الشخصيَّات البارزة في تاريخ الإسلام؛ فأحببتُ أن أذكِّر نفسي وإخواني الكرام بشيءٍ من سيرتها العطرة، وتاريخها المشرق المجيد. * الاسم والنسب: هي: أسماء بنت أبي بكر (عبدالله بن أبي قحافة عثمان)، وأمها: هي قُتيلة بنت عبدالعزى العامرية. كنيتها: أم عبدالله، وهي أخت أم المؤمنين عائشةَ لأبيها، كانت أسماء أكبر من عائشة بعشر سنوات؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ289: 278). إسلام أسماء: أسلمت أسماء - قديمًا - بمكة في أول الإسلام، بعد سبعة عشر نَفْسًا؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ 8صـ352). ذات النطاقين: روى البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت: صنعتُ سُفرةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة، قالت: فلم نجد لسُفرتِه (طعام يتخذه المسافر)، ولا لسقائه (وعاء من الجِلد يوضع فيه الماء، ويكون عادةً من جلد مستدير) ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي (ما تشُد به المرأةُ وسطها)، قال: فشقِّيه باثنين، فاربطيه: بواحد السقاء، وبالآخر السفرة، ففعلتُ، فلذلك سميت ذات النطاقين؛ (البخاري حديث: 2979). النطاق: أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشدُّ وسطها بشيءٍ وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل؛ تفعل ذلك عند معاناة الأشغال؛ لئلا تعثر في ذيل ثوبها. صبر أسماء على الأذى من أجل الإسلام: قالت أسماء بنت أبي بكر: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي، قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشًا خبيثًا، فلطم خدِّي لطمةً طَرَحَ منها قرطي، ثم انصرفوا، فمكثنا ثلاثَ ليالٍ، وما ندري أين وجهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقبَلَ رجل من الجنِّ من أسفل مكَّة، يتغنَّى بأبياتٍ من شعر غناء العرب، وإنَّ الناس ليتَّبعونه، يسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول: جزى الله ربُّ الناس خيرَ جزائه رفيقينِ حلَّا خيمتي أم معبدِ هما نزلا بالبرِّ ثم تروَّحا فأفلَحَ مَن أمسى رفيق محمدِ (سيرة ابن هشام جـ1 صـ487). هجرة أسماء: هاجرت أسماء وزوجها الزبير، وهي حامل متمٌّ بولدها عبدالله، فوضَعَتْه بقُباء، أول مَقدَمِهم المدينة، ثم ولدت للزبير بعد ذلك عروة، والمنذر، وعاصمًا، والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأم الحسن، وعائشة، ثم طلَّقها الزبير بن العوام، فكانت عند ابنها عبدالله؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ196). تكريم النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء: روى البخاري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها حملت بعبدالله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا متمٌّ، فأتيت المدينة فنزلت قباء، فولدتُ بقباء، ثم أتيتُ به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فوضَعْته في حجره، ثم دعا بتمرةٍ فمَضَغَها، ثم تفل في فيه، فكان أولَ شيء دخل جوفه ريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنَّكه بالتمرة، ثم دعا له فبرَّك عليه، وكان أول مولود وُلد في الإسلام، ففرحوا به فرحًا شديدًا؛ لأنهم قيل لهم: إنَّ اليهود قد سحَرَتكم فلا يولد لكم؛ (البخاري حديث: 5469). علم أسماء: روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ثمانيةً وخمسين حديثًا، اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثًا، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ296). حدَّث عنها: ابناها (عبدالله، وعروة)، وحفيدها (عبدالله بن عروة)، وحفيده (عباد بن عبدالله)، وابن عباس، وأبو واقد الليثي، وصفية بنت شيبة، ومحمد بن المنكدر، ووهب بن كيسان، وأبو نوفل معاوية بن أبي عقرب، والمطلب بن عبدالله بن حنطب، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، ومولاها؛ عبدالله بن كيسان، وابن أبي مليكة، وابن ابن ابنها (عباد بن حمزة بن عبدالله بن الزبير) وعدة؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ288). أسماء تصف صلاة الكسوف: روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاةَ الكسوف، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد، فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد، فأطال السجود، ثم قام، فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم رفع، فسجد، فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد، فأطال السجود، ثم انصرف؛ (البخاري حديث: 745). جهاد أسماء: شهدت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها موقعة اليرموك مع ابنها وزوجها؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ 8 صـ352). نزول القرآن في شأن أسماء: قال الله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]. روى ابن جرير الطبري (رحمه الله) عن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، قال: نزلت في أسماء بنت أبي بكر، وكانت لها أمٌّ في الجاهلية يقال لها: قتيلة بنت عبدالعزى، فأتتها بهدايا وصِنَابٍ وأقط وسمن، فقالت: لا أقبل لك هديةً، ولا تدخلي عليَّ حتى يأذن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فذَكَرْت ذلك عائشةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]؛ (تفسير ابن جرير الطبري جـ25 صـ610). روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قلت: وهي راغبة أفَأَصِل أمِّي؟ قال: ((نعم، صلِّي أمَّكِ))؛ (البخاري حديث 2620 / مسلم حديث 1003). قال ابن حجر العسقلاني: وهي راغبة؛ أي: طالبة في برِّ ابنتها لها، خائفة مِن ردِّها إياها خائبةً؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني جـ5 صـ277). نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء: روى أبو داود عن عبدالله بن أبي مُلَيْكَة قال: حدثتني أسماء بنت أبي بكر، قالت: قلت: يا رسول الله، ما لي شيء إلا ما أدخل عليَّ الزبير بيتَه، أفأُعطي (أي: أتصدَّق) منه؟ قال: ((أَعطي، ولا توكي (لا تدَّخري وتمنعي ما في يدك عن الصدقة)، فيوكى عليك - ينقطع الرزق عنك))؛ (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني حديث: 1490). شهادة أسماء: روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: "رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائمًا مسندًا ظهرَه إلى الكعبة يقول: يا معاشر قريش، والله ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يُحْيي الموءودة (يستنقذها مِن دفنها في التراب وهي حيَّة)، يقول للرجل - إذا أراد أن ي*** ابنته -: لا ت***ها؛ أنا أكفيكها مؤنتَها، فيأخذها فإذا ترَعْرَعت (نشأت وشبَّت) قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها"؛ (البخاري حديث: 3828). أسماء الزوجة الصالحة: 1- روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: تزوَّجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء غير ناضح (بعير يُستقَى عليه) وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء، وأخرز (أخيط) غَرْبَه (الدلو الكبير) وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكُنَّ نسوةَ صدقٍ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطَعَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثُلُثَيْ فرسخ، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: ((إخ إخ))؛ ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبيرَ وغَيْرَتَه، وكان أغيرَ الناس، فعرَف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييتُ فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرَتَك، فقال: والله لحملُك النوى كان أشدَّ عليَّ مِن ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس (ترويضها وتدريبها)، فكأنما أعتَقَني؛ (البخاري حديث: 5224/مسلم حديث: 2182). 2- قال عكرمة: كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تحت الزبير بن العوام، وكان شديدًا عليها، فأَتَتْ أباها فشَكَت ذلك إليه، فقال: يا بنيَّة اصبري؛ فإنَّ المرأة إذا كان لها زوجٌ صالح ثم مات عنها فلم تزوَّج بعده، جُمع بينهما في الجنة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ197). صبر أسماء على الجوع: روى الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: كنت مرَّةً في أرضٍ قَطَعَها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة والزبير من أرض النضير، فخرج الزبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنا جار من اليهود، ف*** شاةً فطبخت فوجدت رِيحَها، فدخلني من ريح اللحم ما لم يدخلني من شيء قط، وأنا حاملٌ بابنةٍ لي تُدعَى خديجة، فلم أصبر فانطلقت فدخلت على امرأته أقتبس منها نارًا لعلَّها تطعمني، وما لي من حاجةٍ إلى النار، فلما شممت ريحَه، ورأيته ازددت شرًّا، فأطفأته، ثم جئت الثانية أقتبس مثل ذلك، ثم الثالثة فلما رأيت ذلك قعدت أبكي وأدعو الله، فجاء زوج اليهودية فقال: أدخَلَ عليكم أحد؟ قالت: لا إلا العربية أَتَتْ تقتبس نارًا، فقال: فلا آكل منها أبدًا أو ترسلي منها إليها، فأرسلَت إليَّ بقَدْحَةٍ (عرقة)، ولم يكن في الأرض شيء أعجب إليَّ من تلك الأَكْلَة؛ (معجم الطبراني الكبير جـ24 صـ103). إنفاق أسماء في سبيل الله: 1- قال عبدالله بن الزبير: ما رأيت امرأةً قط أجوَدَ من عائشة وأسماء؛ وجودهما مختلف: أمَّا عائشة، فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضَعَتْه مواضعَه، وأمَّا أسماء، فكانت لا تدَّخر شيئًا لغدٍ؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ292). 2- كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تمرِّض المرضى، وتعتق كلَّ مملوكٍ لها؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ198). 3- كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تقول لبناتها ولأهلها: أنفِقن وتصدَّقن، ولا تنتظرن الفضل؛ فإنكنَّ إن انتظرتن الفضلَ لم تفضلن شيئًا، وإن تصدقتنَّ لم تجدن فَقْدَه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ198). ورع أسماء: 1- قدم المنذر بن الزبير من العراق، فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بكسوةٍ من ثياب مروية وقُوهيَّة رقاق عتاق بعد ما كفَّ بصرُها، قال: فلمَسَتْها بيدها، ثم قالت: أف! ردُّوا عليه كسوته، قال: فشق ذلك عليه، وقال: يا أمَّهْ، إنَّه لا يشف، قالت: إنها إن لم تشف فإنها تصف، قال: فاشترى لها ثيابًا مرويةً وقوهيةً فقَبِلَتْها وقالت: مثل هذا فاكسُني؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ199). 2- قال الركين بن الربيع: دخلت على أسماء بنت أبي بكر وهي عجوز كبيرة عمياء، فوجدتها تصلِّي وعندها إنسان يلقِّنها: قومي، اقعدي، افعلي؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ198). أسماء صاحبة المبادئ: 1- قال عروة بن الزبير: دخلت أنا وأخي عبدالله قبل أن يُقتَل على أمِّنا بعشر ليالٍ وهي وجعة، فقال عبدالله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة، قال: إنَّ في الموت لعافيةً، قالت: لعلك تشتهي موتي؛ فلا تفعل، وضحكَتْ، وقالت: والله، ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك: إمَّا أن تُقتَل فأحتسبك؛ وإمَّا أن تظفر فتقرَّ عيني، إياك أن تُعرَضَ على خُطة فلا تُوافِق، فتَقْبَلَها كراهيةَ الموت، قال: وإنما عنى أخي أن يُ***، فيحزنها ذلك؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ293). 2- دخل عبدالله بن الزبير على أمِّه (أسماء بنت أبي بكر) حين رأى من الناس ما رأى من خذلانهم، فقال: يا أمَّهْ، خذَلَني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: أنت والله يا بُني أعلمُ بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حقٍّ وإليه تدعو، فامضِ له؛ فقد قُتِلَ عليه أصحابُك، ولا تمكِّن من رقبتك يتلعَّب بها غلمانُ أميَّة، وإن كنت إنما أردت الدنيا، فبئس العبد أنت! أَهْلَكْت نَفْسَك، وأهلكت مَن قُتِلَ معك، وإن قلتَ: كنت على حقٍّ فلما وَهَن أصحابي ضعفتُ، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا! ال*** أحسنُ، فدنا ابن الزبير فقبَّل رأسَها، وقال: هذا والله رأيي، والذي قمت به داعيًا إلى يومي هذا، ما ركنت إلى الدنيا، ولا أحببت الحياةَ فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضبُ لله أن تستحلَّ حُرَمُه، ولكني أحببت أن أعلم رأيك، فزِدْتِني بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أمَّه فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلِّمي الأمر لله، فإن ابنك لم يتعمَّد إتيانَ منكرٍ، ولا عملًا بفاحشة، ولم يجُر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمَّد ظلمَ مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلمٌ عن عمالي فرضيت به بل أنكَرْتُه، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي، اللهمَّ إني لا أقول هذا تزكيةً مني لنفسي، أنت أعلم بي، ولكن أقوله تعزيةً لأمِّي لتسلو عني، فقالت أمُّه: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنًا إن تقدَّمتني، وإن تقدمتُك ففي نفسي، اخرُج حتى أنظر إلى ما يصير أمرك، قال: جزاك الله يا أمه خيرًا، فلا تدَعي الدعاء لي قبل وبعد، فقالت: لا أَدَعُه أبدًا، فمَن قُتل على باطلٍ فقد قُتلت على حقٍّ، ثم قالت: اللهمَّ ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبرَّه بأبيه وبي، اللهمَّ قد سلَّمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبدالله ثوابَ الصابرين الشاكرين؛ (تاريخ الطبري جـ6 صـ189: 188). 3- دخل عبدالله بن عمر بن الخطاب على أسماء بنت أبي بكر وابنُها مصلوب، فقال لها: "إنَّ هذا الجسد ليس بشيء، وإنما الأرواح عند الله، فاتقي الله واصبري، فقالت: وما يمنعني من الصبر وقد أُهدي رأسُ يحيى بن زكريا إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل؟"؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ8 صـ352). أسماء تتصدَّى للحجَّاج بن يوسف: 1- روى مسلم عن أبي نوفل، رأيت عبدالله بن الزبير على عقبة المدينة، قال: فجعلت قريش تمرُّ عليه والناس حتى مرَّ عليه عبدالله بن عمر، فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا خبيب (كنية عبدالله بن الزبير)، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أمَا والله لقد كنتُ أنهاك عن هذا، أمَا والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنتُ أنهاك عن هذا، أمَا والله إن كنتَ - ما علمتُ - صوَّامًا، قوَّامًا، وصولًا للرحم، أمَا والله لأُمَّةٌ أنت أشرُّها لأَمَّةُ خيرٍ، ثم نفذ (انصرف) عبدالله بن عمر، فبلغ الحجَّاجَ موقفُ عبدالله وقولُه، فأرسَلَ إليه، فأُنزل عن جذعه، فألقي في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمِّه أسماء بنت أبي بكر، فأبت أن تأتيَه، فأعاد عليها الرسول: لتأتيني أو لأبعثنَّ إليك مَن يسحبك بقرونك (يجرُّك بضفائر شعرك )، قال: فأَبَت وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إليَّ من يسحبني بقروني، قال: فقال: أروني سِبْتَيَّ (نوع من النعال) فأخذ نعليه، ثم انطلق يَتَوَذَّفُ (يُسرِع)، حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتِني صنعتُ بعدوِّ الله؟ قالت: رأيتك أفسدتَ عليه دنياه، وأفسَدَ عليك آخرتك، بلَغَني أنك تقول له: يا بن ذات النطاقين، أنا واللهِ ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعامَ أبي بكر من الدواب، وأمَّا الآخَر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أمَا إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حدَّثنا: ((أنَّ في ثقيف كذَّابًا ومبيرًا))، فأمَّا الكذَّاب فرأيناه (المختار بن أبي عبيد الثقفي)، وأمَّا المبير (المهلك)، فلا إخالك (أظنك) إلا إياه، قال: فقام عنها ولم يراجعها؛ (مسلم حديث: (2545). وفاة أسماء بنت أبي بكر: روى الحاكم عن مصعب بن عبدالله بن الزبير، قال: "ماتت أسماء بنت أبي بكر بعد *** ابنها عبدالله بن الزبير بليالٍ، وكان ***ه يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلةً خَلَت من جمادى الأولى سنة ثلاثٍ وسبعين"؛ (مستدرك الحاكم جـ4 صـ72). كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها خاتمةَ مَن مات من المهاجرين والمهاجرات؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ296). بلغت أسماء بنت أبي بكر من العمر مائة سنة ولم يسقط لها سنٌّ، ولم يُنكَر لها عقلٌ رحمها الله تعالى؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ8 صـ352). رحم الله أسماء بنت أبي بكر رحمةً واسعةً، وجزاها عن الإسلام خيرَ الجزاء. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم. * وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. | |
|