خلال الفترة الممتدة بين عام 1939 إلى 1943 كان الجيش الألماني أكبر و
أقوى و احدث جيش في العالم، و قد حقق إنتصارات عسكرية داحرة لا تزال تدرس حتى
يومنا هذا في كبريات الكادميات العسكرية، و قد أحدث الجيش الألماني النازي قفزة
نوعية في الفكر العسكري و الإستراتيجية العسكرية بحث أنهى تماما كل الطرق
التقليدية في قيادة القوات المسلحة الموروثة عن نابليون بونابرت و الحرب العالمية
الثانية، و جاء بطريقة جديدة في إدارة المعارك و تسيير القوات لا تزال سارية
المفعول حتى يومنا هذا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: كيف إنهزم هذا الجيش
المحترف؟ ما هي الأسباب التي أفقدت هذا الجيش قتراته الهجومية و الدفاعية و تسببت
في إنهياره؟ من هي القوة العسكرية الحقيقية التي قهرت الجيش الذي كان العالم يقول
انه لا يقهر؟ هذه الدراسة التحليلية المتواضعة ستجيب عن كل هذه الأسئلة، كما سأكف
لكم عن جوانب خفية لم تذكر قبل اليوم.
الجيش الألماني من 1919 إلى 1938:
بعد هزيمة ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى، عقدت الدول المنتصرة
إجتماع حضره ممثلين عن المنتصرين و المهزومين في قصر فرساي قرب باريس، و فرض
المنتصرون على المنهزمون شراطا قاسية جدا لن نأخذ منها إلا الشروط العسكرية حتى لا
نخرج عن صلب الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه، و قد عرف هذا الإجتماع بمعاهدة
فرساي.نصت معاهدة فرساي في شقها العسكري على أن ألمانيا تتحمل المسؤولية كاملة في
نشوب الحرب الكبرى ( ينبغي التنبيه أنه من 1919 حتى 1945 كانت الحرب العالمية
الأولى معروفة بإسم الحرب الكبرى) و عليه
قرر الحلفاء (فرنسا و بريطانيا على وجه الخصوص) ما يلي:
1 تسريح الجيش الألماني و الإكتفاء بقوة عسكرية يجب أن لا تتجاوز 100 ألف
جندي، تستعمل في حفظ النظام الداخلي و
حماية الحدود الألمانية.
2 إلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية.
3 تحريم على ألمانيا بناء أي قوة جوية، و أي قوة مدرعة.
4 تحديد قوة البحرية الألمانية بـ 15 ألف جندي مع منعها من بناء غواصات و البوارج الحربية، و الإكتفاء بقطع بحرية لا تتعدى الـ 10 ألاف طن لمراقبة السواحل.
5 تحديد 12 سنة كأقصى مدة يقضيها الجنود و ضباط الصف في الخدمة.
6 تحديد 25 سنة كأقصى مدة يقضيها الضباط و الضبط السامين في الخدمة.
7 نزع سلاح منطقة رينينيا و الورهر مع فتحها امام القوات المسلحة
الفرنسية.
كما منعت معاهدة فرساي على الحكومة الألمانية بناء أي خطوط دفاعية على طول
حدودها مع فرنسا.
قيادة الجيش الألماني كانت جد مستائة من شروط معاهدة فرساي، لكنها طبقت
هذه الشروط بالحرف حتى لا تعطي لفرنسا و بريطانيا فرصة إحتلال ألمانيا المنزوعة
السلاح.
في 30 جانفي 1933(يناير، كنون
الثاني) عين الرئيس الألماني المرشال هيندنبرغ، الزعيم النازي أدولف هتلر مستشارا
لألمانيا (مستشار ألمانيا يعادل رئيس الوزراءفي باقي دول العلم)، و كان هتلر يسعى
بكل ما أوتي من قوة لإعادة بناء الجيش الألماني الذي كان ساعتها أضعف جيش في
أوروبا.
عام 1934 توفي الرئيس الألماني هيندنبرغ و خلفه أدولف هتلر و جمع بين
رئاسة الدولة و رئاسة مجلس الوزراء، و في 2 أوت 1934 (أب، أغسطس) أدى الجيش
الألماني اليمين لهتلر بصفته قائدا أعلى للجيش، قبل هذا التاريخ كان الضباط و
الجنود يأدون القسم بالطاعة لألمانيا، لكن هتلر غير من جوهر القسم و جعله يتم
لشخصه بدلا من أن يكون لألمانيا بهذه الطريقة وضع هتلر الجيش الألماني برمته أمام
الأمر الواقع، و أصبح هذا الجيش مرتبط بهتلر نظرا للقسم الذي أداه الضباط و الجنود
له، و كلنا نعلم أن الضابط و الجندي متى أقسم بشيء فمن الصعب جدا عليه أن يخون
يمينه حتى و لو كلفه ذلك حياته، هذا القسم مكن هتلر من أن يسيطر تماما على الجيش و
يضع حاجزا أمام الكثير من القيادات التي رفضت الإنقلاب على هتلر بسبب القسم الذي
أدي له.
بحلول 1935 أطلق هتلر مشروع (زاي) الذي كان يهدف لإعادة بناء الجيش
الألماني، حسب المخطط التالي:
1 رفع القوات المسلحة من 100 إلى 500 ألف جندي‘ موزعة على 12 جيشا ميدانيا بمجموع 36
فرقة.
2 بناء سفن حربية يفوق وزنها 26 ألف طن، و بداية بناء سلاح الغواصات (18
جوان 1935).
3 إعادة العمل بالخدمة العسكرية الإجبارية لكل ألماني يبلغ من العمر 18
سنة. (16 مارس 1935).
4 إنشاء السلاح الجوي الألماني يقيادة المرشال هيرمان غورنغ (11 جوان
1935).
5 إعادة بناء سلاح المدرعات، و الشروع في صناعة الدبابة الألمانية
(بانزر).
لضمان نجاح هذا المخطط وزع هتلر مهام إعادة بناء القوات المسلحة على أكبر
و أنبغ الضباط منهم:
1 المرشال هيرمان غورنغ مكلف بالإشراف على إعادة بناء القوات المسلحة
الألمانية كلها بما فيها القوات الجوية.
2 العقيد هانز غودريان مكلف بالإشراف على غعادة بناء سلاح المدرعات.
3 الجنرال باك مكلف بالإشراف على إعادة بناء القوات البرية.
4 الأميرال إيريش رايدر مكلف بالإشراف على إعادة بناء القوات البحرية.
من 1935 إلى 1938 تحول الجيش الألماني من قوة عسكرية ضعيفة مستعملة في
حراسة الحدود، إلى قوة عسكرية جد متقدمة عددا و عدة. و بحلول 1938 قام هتلر في أخر
خطوة له قبل الحرب بإعادة هيكلة القيادة العليا للجيش، بحيث ألغى منصب وزير الدفاع
تماما و شكل ما هو معروف بالقيادة العليا لجيش الدفاع الألماني.
حسب التنظيم الجديد لجيش الدفاع الألماني الذي دخل حيز التطبيق عام 1938،
يتربع على رأس القوات المسلحة قيادة عليا
(بالألمانية أوبر كومادو دي فرماترت) و هي
جهاز مكلف بتسيير الجيش، و تنظيمه، و مراقبة مختلف أركانه، و قد إختار هتلر فريق
الركن ويلهالم كايتل رئيسا للقيادة العليا.
تضم القيادة العليا شعبتان؛
الشعبة الأولى هي؛
مكتب العمليات: و هو مكلف بإدارة و
مراقبة جميع العمليات العسكرية، و قد عين اللواء ألفرد يودل رئيسا لمكتب العمليات
في القيادة العليا للجيش.
الشعبة الثانية هي؛
مكتب التجنيد و قوات الإحتياط: و هو مكلف بجميع الأمور المتعلقة بإمداد الجيش
بالجنود و تسيير قوات الإحتاط، و قد عين اللواء فريديرش فروم مدير لمكتب التجنيد و
قائد عام لجيش الإحتياط.
إلى جانب مكتب العمليات، و مكتب التجنيد و قوات الإحتياط تضم القيادة
العليا لجيش الدفاع الألماني مجموعة من الإدارات و الدواوين العسكرية منها:
1 مديرية التدريب و كانت مكلفة قبل الحرب بتنظيم المناورات، و السهر على
الرفع من مستوى أفراد الجيش ضباطا و جنود.
2 ديوان التسليح و كان مكلف بمراقبة الصناعات الحربية و توفير المعدات و
الدخائر و مختلف التجهيزات العسكرية.
مباشرة بعد القيادة العليا لجيش الدفاع الألماني يوجد ثلاث قيادات لأركان
القوات المسلحة هي:
1 القيادة العامة للقوات البرية: (بالألمانبة أوبر كوماندو دي هير) و قد
عين الفريق والتر فون بروشيتس قائد عام لها و عين اللواء فرانز هالدر ئريسا
للأركان. و تضم هذه القيادة قيادات فرعية تابعة لها و تعمل تحت إمرتها، منها قيادة
سلاح المدرعات، و قيادة المشاة الميكانيكية، و قيادة القوات الخاصة، و سلاح
المدفيعة و المهندسين.
2 القيادة العامة للقوات البحرية: (بالألمانية أوبر
كوماندو دي كريغ مارين) و قد عين الأميرال إيريش رايدر قائد عام لها كما عين
الأميرال كارل دونيتز قائد لسلاح الغواصات، و قسمت السواحل الألمانية لواجهات
بحرية منها واجهة بحر الشمال، و واجهة بحر البلطيق، و بعد قيام الحرب تم خلق
قيادات لواجهات بحرية حسب موقع الدول المحتلة.
3 القيادة العامة للقوات الجوية: (بالألمانية أوبر كوماندو دي لوفت فاف)
و قد عين على رأسها المرشال هيرمان نورنغ منذ 1935، و كانت مستقلة تماما عن
القيادة العليا للجيش، و تنسق عملها مع القوات البرية و البحرية عن طريق مكتب
العمليات في القيادة العليا للجيش، و كان السلاح الجوي الألماني مقسم إلى سبع
أساطيل جوية كل أسطول يقوده ضابط سامي برتبة فريق ركن حتى 1940 حيث أصبح قائد
الأسطول الجوي برتبة مرشال، و قد ألحقت قيادة الدفاع الجوي و القوات المحمولة جوا
بالقيادة العامة للقوات الجوية.
جيش الدفاع الألماني عام 1939 تعداده و معداته:
بحلول منتصف عام 1939 أصبح جيش الدفاع الألماني أكبر و أقوى جيش في العالم
جويا و بريا، و لم يستطع الوصول لتحقيق التفوق البحري على كل من بريطانيا و فرنسا
لعدة إعتبارات من أهمها معاهدة 1938 التي عقدها هتلر مع الوزير الأول البريطاني
نيفل تشامبرلين و التي سمحت لألمانيا ببناء أسطول بحري يساوي 36 بالمائة من
الأسطول البريطاني على أن لا يتجاوز سلاح الغواصات 45 بالمائة من تعداد القوات
البحرية الألمانية.
القوات البرية : إستطاعت ألمانيا عام
1939 بناء جيش بري محترف قوامه مليون جندي موزعين على خمسة جيوش ميدانية بمجموع 72
فرقة، و قد قفز هذا العدد إلى 5.400.000 جندي عام 1940، و إرتفع عام 1941 إلى
7.200.000 جندي، و زاد تعداده عام 1942 إلى 8.600.000 جندي، و إرتفع أيضا عام 1943
إلى 9.500.000 جندي ليبلغ عام 1944 10.200.000 جندي، يجب التذكير أن هذا العدد لا
يمثل كل الجيش الألماني الذي بلغ ما بين 1942 و 1944 16.500.000 جندي إنما العدد
السابق الذكر (10.200.000 جندي) يمثل القوات المسلحة التي تقاتل في مختلف جبهات
القتال.
إن الإرتفاع الهائل لتعداد الجيش
الألماني من 1939 إلى 1944 سببه إتساع رقعة الأراضي التي وقعت تحت الإحتلال
الألماني، و كذا ضخامة الجبهة الروسية التي تطلب الحفاط عليها من 1941 إلى 1944 80
بالمائة من التعداد العام للجيشن و سوف نوظح ذلك بالتفصيل حين نصل للدراسة الخاصة
بأسباب هزيمة ألمانيا.
زيادة على تعداده الهائل كان الجيش الألماني يمتك أحدث و أكبر سلاح مدرعات
في العالم، حيث كانت سلاح المدرعات يضم 3500 دبابة هي البانزر 4 الذي كان متفوق من
حيث السرعة و من حيث التصفيح على جميع مدرعات جيش الحلفاء.
القوات الجوية : كان السلاح الجوي
الألماني من 1939 حتى 1943 أكبر و أقوى أسطول جوي في العالم حيث كان يضم 3.400.000
جندي من بينهم 35.700 طيار، و بلغت عدد الطائرات الألمانية 4.000 طائرة منها 1.100
طائرة قناصة، و 400 طائرة قناصة-قاذفة (تستطيع حمل أربع قنابل إثنان تحت كل جناح)
1.100 قاذفة قنابل، و 290 قاذفة إنسيابية مع العلم أن جميع الطائرات الحربية الألمانية
تم إنتاجها ما بين 1935 إلى 1945 بينما كان السلاح الجوي البريطاني و الفرنسي
مبنيا أساسا من طائرات قديمة جدا موروثة عن الحرب العالمية الأولى.
القوات البحرية: خلال الإتفاقية التي
عقدها هتلر مع رئيس الوزراء البريطاني نيفل تشامبرلين إثر معاهدة ميونيخ عام 1938
إتفقت ألمانيا مع بريطانيا على أن لا تتجاوز القوات البحرية الألمانية 36 بالمائة
من مجموع الأسطول البحري البريطاني، و أن لا يتجاوز عدد الغواصات 45 بالمائة من
التعداد العام للبحرية الألمانية، هذا الإتفاق قيد نوعا ما القيادة العامة للبحرية
الحربية الألمانية بحث لم تستطع بناء أسطول بحري حربي يعادل عن الأقل الأسطول
البريطاني، كما إن هتلر لم يعر القوات البحرية ما يلزم من الإهتمام لأنه كان
منشغلا بتقوية القوات الجوية و البرية، كل هذه الأسباب جعلت من ألمانيا دولة ضعيفة
بحريا و شكل هذا الضعف ثغرة إستغلتها بريطانيا أثناء الحرب لعزل ألمانيا و
محاصرتها بحريا.
بالرغم من كل ذلك بلغ التعداد العام للجنود العاملين في القوات البحرية
1.500.000 جندي من بينهم 40.000 في سلاح الغواصات.
تعداد السفن الحربية الألمانية و نوعيتها
العدد | نوعية السفينة |
واحدة فقط لم يتم إنهاء بنائها | حاملات الطائرات |
17 | البوارج |
6 | الفرقاطة |
5 | القناصة |
57 | الغواصات |
تعداد السفن الحربية البريطانية و نوعيتها
العدد | نوعية السفينة |
8 | حاملات الطائرات |
94 | البوارج |
50 | الفرقاطة |
12 | القناصة |
38 | الغواصات |